صُنع في الجولان... «الوجاق». - ارشيف - ارشيف موقع جولاني
الجولان موقع جولاني الإلكتروني

صنع في الجولان... «الوجاق».
الجولان -
تقرير نبيه عويدات - 24\01\2010
«الوجاق»هو التسمية الشعبية التي تطلق في الجولان على المدفأة التي تعمل على الحطب، و«الوجاق» صناعة جولانية بامتياز أخذت تزدهر ويسطع نجمها في السنوات الأخيرة، فمتى بدأت هذه الصناعة وما هي أسباب نجاحها؟
مما لا شك فيه أن عوامل الطقس والموقع كان لها العامل الأساسي في نشأة ونمو هذه الصناعة، فالطقس البارد والمثلج أوجب إيجاد وسيلة تدفئة مناسبة، وجاءت وفرة الحطب في المحيط القريب في ذلك الزمن لتزاوج بينه وبين الحديد، ومن هنا نشأ ما بات يعرف بـ «الوجاق» - المدفأة التي تعمل على الحطب.
لا نعرف متى بالضبط بدأت صناعة الوجاقات في المنطقة، فالحدادون كانوا هنا منذ قديم الزمن وكانوا يصنعون العديد من الأشياء، التي كان أشهرها على الإطلاق «الخنجرالمجدلاني» ذائع الصيت، لكن كبار السن يقولون أن «الوجاق» بشكله الحالي مصدره في لبنان. فيروي الشيخ أبو أسعد فارس خاطر، وهو من قدامى الصناعيين في الجولان، أن المرحوم علي رباح، وهو أيضاً كان من الصناعيين المعروفين في المنطقة، أتى بوجاق اشتراه في حاصبيا جنوبي لبنان، وذلك في مطلع الخمسينات من القرن الماضي وقام بتقليده ومن ثم تصنيعه هنا في مجدل شمس، فلقي ذلك الوجاق استحساناً من الناس وصار الجميع يصنعون مثله.
بقيت صناعة الوجاقات رائجة حتى الثمانينات، حيث بدأ نجمها يخبو رويداً رويداً وبدأت تحل مكانها صناعة «الصوبيات» - المدافئ التي تعمل على السولار، وهنا أيضاً نشطت في الجولان صناعة «الصوبيات» التي كان من أبرز صانعيها السيد صالح مداح، تبعه فيما بعد «مدافئ رباح» وآخرون. ثم أتى بعدها عهد التدفئة المركزية التي انتشرت في الجولان بصورة كبيرة في التسعينات من القرن الماضي. إلا أن نجم الوجاق عاد ليسطع من جديد في نهاية التسعينات مع الارتفاع الحاد بأسعار النفط ومعه سعر السولار الذي يستخدم في التدفئة المنزلية.


السيد زيد رباح - صانع وجاقات

وعن ذلك يقول السيد زيد رباح، وهو أحد أصحاب ماركة رباح لصناعة المدافئ، أن والده المرحوم علي رباح بدأ بتصنيع الوجاقات في بداية الخمسينات، وهو وإخوته من بعده أخذوا عنه هذه الصنعة واستمروا فيها، وأدخلوا عليها الكثير من التجديدات لتتماشى مع العصر وذلك مع تطور أدوات العمل والآلات المستخدمة في هذه الصناعة.

أما السيد سمير عويدات فهو من الذين برز اسمهم في صناعة الوجاقات في نهاية الثمانينات ومطلع التسعينات من القرن الماضي. وعن هذه الصناعة يقول سمير:
"كان الوجاق حتى الثمانينات يصنع بطريقة بدائية جداً، وتستخدم في تصنيعه مجموعة أدوات بسيطة، حيث معظم العمل كان يدوياً بحتاً. فالحديد المستخدم في صناعته كان فرنسياً من النوع الجيد الذي لا يصدأ، ولذلك كان الصناع لا يستخدمون اللحام الذي كان يصيبه بالصدأ. كذلك لم يستخدم «الجلخ» بل المبرد، حتى عملية قص فتحة الظهر كانت تتم يدوياً. ولكن فيما بعد ظهرت أنواع أقل جودة من الحديد وظهر الدهان المقاوم للحرارة، وظهرت ماكينات لحام أكثر جودة، فأصبح يستخدم اللحام في تصنيعه، وأصبح يطلى بطبقة من الدهان الأسود المقاوم للحرارة، وأصبحت الصناعة أكثر تطوراً وأقل عناء، لذا هبط سعر الوجاق وكثر عدد مصنعيه.


السيد مجدي الصفدي - صانع وجاقات

أحد صانعي الوجاقات الجدد هو السيد مجدي الصفدي، وهو شاب من مسعدة، قدم من الأردن في التسعينات من القرن الماضي وتزوج من فتاة جولانية واستقر في قرية مسعدة. عمل مجدي لدى بعض صانعي الوجاقات لعدة سنوات ثم فتح ورشة تصنيع خاصة به، وهو اليوم واحد من أبرز صانعيها.
يقول
مجدي: "صناعة الوجاقات ماركة جولانية بامتياز، فهنا لها جذور وتقاليد وخبرة تراكمت على مدى السنين، وهي اليوم صناعة مطلوبة جداً، ولا يقتصر استخدامها على السوق المحلية إذ يأتي إلينا المستهلكون من فلسطين 48. وبالرغم من نشوء صناعة مماثلة في السنوات الأخيرة لديهم، إلا أن جودة الصناعة الجولانية تبقى الأفضل، ولهذا يفضل المستهلك اقتناء وجاق من صناعتنا".
ويضيف
مجدي:
"صناعة الوجاقات تتطور باستمرار، ويضاف إليها في كل يوم شيء جديد. هناك وجاقات مع سخان ماء. هناك وجاقات مع فرن للطبخ. هناك وجاقات مجهزة لشواء اللحوم، حيث يمكن الشواء عليها دون حتى أن تشتم رائحة الشواء داخل البيت، وهذا نوع أصبح مطلوباً جداً في هذه الأيام".

كان الجولان بعد الاحتلال، ومنذ السبعينات، مقصداً للسياح من مختلف المناطق الفلسطينية والإسرائيلية، وذلك بسبب مناخه البارد وتساقط الثلوج شتاء على شماله، وبالأخص على جبل الشيخ، وبدا من الطبيعي أن يكون الوجاق صناعة مكملة لهذا المشهد السياحي. وبالفعل فإن الوجاق، كما «الحمّوصة» (عروس اللبنة المحمصة على الصاج) والتفاح والكرز
والعسل، أصبح على الخارطة السياحية في الجولان. فالسائح، والحديث هنا عن السياحة الداخلية، يأتي إلى الجولان للتمتع بالطبيعة وأخذ قسط من الراحة، وشراء بعض الحاجيات التي يمتاز بها الجولان، ومن أهما «الوجاق».


السيد على المرعي - بائع وجاقات

وفي هذا السياق يقول السيد على المرعي، وهو بائع وجاقات معروف، يملك محلاً لبيع الوجاقات في ساحة سلطان الأطرش في مجدل شمس، أن بلدتنا مشهورة بالصناعة منذ قديم الزمان، وبالأخص صناعة مدافئ الحطب ومدافئ السولار، التي أصبح اسمهما في ذهن المستهلك مرتبط بالجولان. الصناع هنا أتقنوا هذه الصناعة بصورة جيدة حتى أصبحت مطلوبة لدى المستهلك من خارج المنطقة، وأصبحت عاملاً مهماً في تطوير السياحة لدينا.

ويضيف السيد علي أن الصناعة أمر متوارث في مجدل شمس، فأجدادنا قبلنا عملوا بالصناعة، وهذه المنطقة اشتهرت سابقاً بـ «الخنجر المجدلاني» الذي ذاع صيته في كل البلاد، فحتى اليوم يأتي إلي سياح ويسألونني أين يمكن شراء خنجر مجدلاني، وهذا أمر يدعوني للفخر والاعتزاز.   

نماذج من الوجاقات صنعت في الجولان:

ملاحظة من معد التقرير إلى الإخوة المعقبين:

لم يهدف التقرير إلى تعداد جميع صانعي الوجاقات في المنطقة، وليس هذا هدفنا من وراء التقرير بتاتاً، إنما الهدف هو تسليط الضوء على هذه الصناعة وتاريخها وأهميتها، ومن أجل ذلك التقينا ببعض الأشخاص لخدمة هذا الغرض. وكان الالتقاء ببعضهم محض صدفة، مثل السيد مجدي الصفدي الذي لم تكن لي به معرفة سابقة. وكانت زيارتي لمسعدة في الأساس للقاء منصور وصالح صبرا اللذين أعرف أنهما يصنعان الوجاقات، لكني زرتهما مرتين ولم أجدهما.